لطالما تمكن استديو Remedy entertainment من مفاجأتي في كل مشروع قدمه منذ بداية الألفية الجديدة وحتى وقتنا الراهن، حتى وأن كانت تلك العناوين عانت من مشاكل مختلفة في بعض عناصرها ولكنها بلا شك قدمت أفكار وآليات مبتكرة ومثيرة دفعت الفريق للمضي قدما لتقديم ألعاب أكثر جرآة وعمقا مثلما حدث من قبل في Alan Wake و Quantum Break ويحدث مجددا في control لعبة الأكشن من منظور الشخص الثالث التي تدور أحداثها في المستقبل القريب وتعتمد قصتها على القوى الخارقة والخيال العلمي.

لدى كل شخص منا تصور مختلف للمستقبل، وبغض النظر عن السيارات الطائرة أو العيش على سطح القمر، يرى استديو Remedy مستقبل أكثر ظلمة تسيطر فيه القوى الخارقة على مستقبل البشرية من خلال منظمة حكومية سرية تدعى Federal Bureau of control مقرها الرئيسي The Oldest House وهو مقر خفي في مدينة نيويورك قضت بطلتنا Jesse Faden فترة طويلة في البحث للعثور عليه، وقبل أن أدرك حقيقة ما يحدث في تلك المنطقة المريبة أو دوافع "جيسي" للتواجد في هذا المكان، سرعان ما وجدت نفسي أصبح المسؤول الأول عن المنظمة في منصب المدير ويقع على عاتقي مهمة الوقوف في وجه الغزو الذي تتعرض له قبل أن أتمكن من الحصول على الإجابات التي أبحث عنها والتي مازلت أجهلها حتى تلك اللحظة.
تبدأ أحداث control من تلك النقطة التي تجد نفسك فيها لا تعلم حقيقة ما يحدث، تجهل أبسط الأمور والقواعد، وبالتالي يسهل توقع طريقة السرد من البداية، فكلما تقدمت أكثر في الأحداث وحررت المزيد من المناطق التي تعرضت للغزو، كلما تمكنت من فتح خيارات أكثر للسفر السريع ومقابلة شخصيات جديدة والحصول على معلومات محدودة قبل أن تجد نفسك مضطرا لتكرار نفس السيناريو السابق للحصول على تفاصيل أكثر، أسلوب سرد متوقع في لعبة تدور أحداثها بالكامل في نفس المنطقة ولكن ما يعيبه حقا هو عدم إستغلال التصميم الجيد للشخصيات والأداء المقنع في توفير مشاهد سينمائية أكثر تفاعلا عوضا عن الجلوس والإستماع إلى محادثات أقرب إلى المحاضرات العلمية، الأمر الذي سيجعل تتبع القصة بدقة كافية أمر غاية في الصعوبة لبعض اللاعبين وستجد نفسك من فترة للأخرى تائها وتشعر بالملل من تلك اللقاءات التي تضع في رأسك كم كبير من المعلومات دفعة واحدة دون وجود أي دافع لديك لتقبلها بسبب الأسلوب البدائي المتبع، ومع الوصول لنهاية الأحداث لا يختلف الوضع كثيرا، فالعنوان لا يقدم جميع الإجابات التي يبحث عنها أي شخص مثلما توقعت، وإنما تنتهي الأحداث بشكل مفاجيء لدرجة جعلتني أتسائل ما إذا كانت تلك هي النهاية الحقيقية، ولكن على ما يبدو أن بعض الإجابات تم تأجيلها للمحتويات الإضافية القادمة أو ربما للجزء الثاني مستقبلا.

بعد قبول "جيسي" للمنصب الجديد تحصل على سلاح Service Weapon وهو ما يبدو للوهلة الأولى كمسدس عادي ولكن سرعان ما أدركت أنه أكثر من ذلك بكثير بعد عدة ساعات لعب، حيث تدعوه المؤسسة Object of Power بسبب كونه قادر على الإستفادة من القدرات الخارقة وتحويل شكله لنماذج مختلفة تجعله أقرب إلى ترسانة كاملة في يد اللاعب، كما أنه وسيلة التفاعل الأولى مع الأعداء، أو تلك المؤسسة التي تدعى Hiss والتي فرضت سيطرتها على مقر FBC وحولت معظم العاملين داخل المنظمة إلى جثث تحوم في الهواء، أو أشخاص فقدوا عقولهم ويعملون لصالحهم من خلال محاولة إيقاف "جيسي" بشتى الطرق الممكنة، بمرور الوقت يصبح اللاعب قادر على رؤية نماذج مختلفة للسلاح سواء الذي يعمل كمسدس و بندقية ورشاش آلي وحتى كسلاح قنص، ولكل نموذج مزايا وعيوب بحسب طبيعة الأعداء الذين تواجههم.

السلاح الناري يمثل فقط نصف الإمكانيات المتاحة للشخصية الرئيسية، بينما النصف الثاني يتركز في قواها الخارقة مثل Launch التي تمكنها من تحريك الأشياء عن بعد واستخدامها في التخلص من الأعداء، أو Seize التي تتيح تحويل الأعداء المصابين إلى حلفاء، كلا الأسلوبين تم تقديمهم بطريقة مذهلة لن أتردد في وصفها الأفضل في جميع ألعاب الاستديو على الإطلاق، الأسلحة النارية تعمل بشكل ممتاز وبدقة متناهية وبتأثير واضح على الأعداء، والقدرات الخارقة تجعل التنقل في البيئة ومواجهة الأعداء ممتع ومثير والأهم أنه مختلف تماما في كل مرة بحسب القدرات التي يعتمد عليها اللاعب، الأمر الذي ساهم في تطرقي للمهام الجانبية بشكل مستمر واستكشاف كل منطقة في الخريطة الضخمة فقط للعثور على المزيد من المعارك والوصول لأفضل أساليب الهجوم الممكنة، رغم ذلك يعيب تلك الجزئية عدم وجود أفكار جديدة متعلقة بالقدرات نفسها، حيث ستشعر وكأنها نفس القدرات التي تم تقديمها في العديد من ألعاب الخيال العلمي على مدار العقد الماضي.

خلال جولة "جيسي" المحفوفة بالمخاطر داخل المنظمة، تواجه أعداد لا حصر لها من الخصوم مع تنوع محدود في قدراتهم والأسلحة التي يعتمدون عليها ونفس الأمر بخصوص الزعماء، ولا تقتصر المعركة على الترسانة التي يواجهها اللاعب ضد خصومه مثل الرشاشات والأسلحة الثقيلة والإنتحاريين، وإنما تمتد لتشمل الدروع التي يستخدمونها وتصنيف كل خصم ما يؤثر على مدة الإشتباك بدون شك ولكن لا يمثل أي عائق حقيقي في ظل الذكاء الإصطناعي المحدود والذي يسمح لبطلتنا بالتنقل بسهولة و مباغتتهم من كل إتجاه، وحتى في حال التعرض لأضرار بالغة، يمكن للاعب جمع نقاط الصحة التي تسقط من خصومه لاستعادة نشاطه بالكامل والاستعانة بالجدران لتوفير التغطية من وقت للأخر والتحرك بشكل مستمر لتجنب الرصاص.

القدرات الرئيسية في اللعبة يجدها اللاعب بشكل تلقائي كلما تجاوز مهام محددة، في المقابل تكافيء جيسي بعشرات التعديلات التي تعثر عليها كلما استمرت في البحث والإستكشاف أو أسقطت المزيد من الأعداء، تلك التعديلات تعمل على تحسين أداء الأسلحة النارية وصياغة أسلحة جديدة في حال امتلكت الأدوات المطلوبة، ولكن لا يمكن الإحتفاظ سوى بعدد محدد ولذلك ستجد نفسك مضطرا لتفكيك معظم تلك العناصر لتوفير مساحة للمزيد من القطع مستقبلا.

على الرغم من أن خريطة اللعبة يفترض أن تكون وسيلة مساعدة للاعب تمكنه من الوصول إلى وجهته بسهولة وسلاسة، إلا أن تصميم mini Map في control سيء بشكل كافي لتفقد طريقك أكثر من مرة في كل مهمة محاولا الوصول للغرفة الصحيحة، تصميم Oldest House نفسه معقد وضخم بشكل كبير سيجعل من الصعب حفظ طرقاته وممراته إلا بعد قضاء فترة زمنية طويلة والوصول للجزء الأخير من الأحداث أضف إلى ذلك كون عالم اللعبة يتغير باستمرار وبحسب المناطق التي يحررها اللاعب والتي تغير تصميمها المعماري وتتخذ شكلا مختلفا تماما، تم تصميم العالم الإفتراضي على غرار ألعاب Metroidvania حيث تدور جميع الأحداث في نفس المبنى مع وجود طرق وأبواب مغلقة يمكن الوصول لها في أي وقت ولكن لن تتمكن من تجاوزها إلا بعد الحصول على عناصر محددة في منتصف أو نهاية الأحداث، هنا تدعى تلك العناصر بـ"التصريح الأمني" والذي يزداد كلما تجاوزت المزيد من المهام، رغم ذلك تدعم اللعبة الإستكشاف بشكل جيد حيث ستجد عشرات الغرف والمناطق الغامضة التي تحتوى تفاصيل ومعلومات مرتبطة بمنظمة FBC والتجارب العملية التي تجريها والتسجيلات الصوتية للعاملين بالمؤسسة وملحقات مختلفة لتطوير أسلحتك وتعزيز قدراتك، وهو أسلوب معتاد تستخدمه جميع الألعاب تقريبا، ولكن في control يتم إخفاء العديد من المعلومات الهامة في تلك الوثائق بخط أسود عريض، الأمر الذي يجعل التساؤلات تزداد مع كل إجابة جديدة تحصل عليها خاصة عندما تطلع على معلومات مثيرة للإهتمام حقا مثل القدرة على نقل البشر لأبعاد مختلفة.

أسلوب اللعب والتنوع الذي توفره control يعد من سمات اللعبة الرئيسية، ولكن المستوى الرسومي وتصميم المراحل ومظهر العالم الإفتراضي والأعداء لا يقل إثارة أو دقة عن تلك الجزئية، محرك Northlight تمكن مرة أخرى من تقديم جودة رسوم فائقة نجحت في تجسيد رؤية الاستديو للمستقبل بشكل مميز ومبتكر يظهر بوضوح في مستوى الإضاءة وتصميم الشخصيات وملامح الوجه والبيئة القابلة للتدمير بدرجة كبيرة ناهيك عن تجسيد الصراع النفسي الذي تعيشه الشخصية الرئيسية بشكل رائع وتوفير مشاهد سينمائية غامضة تدعو للتفكير رغم ندرتها، على الجانب الآخر لم توفر المهام الجانبية المتعة المرجوة أو الأفكار المثيرة التي تتماشى مع مهام القصة، حيث ستشعر وكأنها حشو إضافي لإطالة عمر اللعبة والإستفادة من تصميم العالم قدر المستطاع خاصة وأن القصة نفسها يمكن إنهائها في 10 إلى 12 ساعة لعب تقريبا مما يجعلها قصيرة نسبيا وبالتالي تأتي تلك المهام لتعويض هذا النقص بأحداث غير ملائمة سوف تشتت تفكيرك في حال تطرقت لها قبل إنهاء القصة الأساسية.

سنحت لي فرصة مراجعة control على جهاز PS4 وقدم العنوان أداء جيد ولكن كان هناك هبوط حاد في معدل الإطارات في المناطق المفتوحة الواسعة التي تحتضن العديد من الأعداء الأمر الذي يجعل الشاشة تعاني من تقطيع واضح يفسد متعة الموقف، بالإضافة إلى توقف اللعبة عن الحركة في بعض الأوقات لثواني معدودة سواء بعد إنهاء مهمة ما أو بعد استخدام ميزة السفر السريع مباشرة، وهي مشاكل لا تؤثر بالسلب على التجربة ككل ولكنها تظل عيوب واضحة لم يتم حلها حتى بعد تثبيت تحديث اليوم الأول.

كان من المميز دعم control للغة العربية في ترجمة القوائم والنصوص والحوارات بطريقة احترافية مميزة ستساعد أي لاعب عربي على الإندماج مع الأحداث بشكل أفضل والإستمتاع بالإطلاع على المستندات والتسجيلات الصوتية التي تتضمن معلومات ثمينة وفهم جميع جوانب القصة والحوارات بين الشخصيات الرئيسية حتى تلك التي يطغي عليها المصطلحات العلمية المعقدة.

الخلاصة
Control تعد أفضل أعمال استديو Remedy عندما يتعلق الأمر بأسلوب اللعب وتنوعه، والتصميم الإحترافي للعالم الإفتراضي وإستخدام نظام الإضاءة بشكل مبهر وفيزيائية الحركة وتفاعل البيئة مع اللاعب بطريقة دقيقة لا تشوبها شائبة، على الجانب الآخر بدأت القصة بطريقة جذابة وغامضة ولكن بعد فترة فقدت بريقها بفضل أسلوب السرد المزعج ولم توفر لي كافة الإجابات التي بحثت عنها في نهايتها، أضف إلى ذلك التنوع المحدود في فصائل الأعداء والذكاء الإصطناعي المتدني والمشاكل التقنية المتعلقة بهبوط معدل الإطارات وتوقف الصورة لثواني، والخريطة المصغرة المصممة لتشتيت اللاعب أكثر من إرشاده للطريق الصحيح وغياب الإبتكارات الجديدة فيما يتعلق بقدرات جيسي الخارقة.